أنموذج الزّمان في شعراء القيروان

الحسن بن رشيق المسيلي القيرواني
390 / 1000 المسيلة  -  456 / 1070 مازرة (صقلّيّة)

شاعرٌ وناقدٌ ومُؤرّخٌ للشّعر، وُلدَ بالمسيلة التي كانت جزْءا من إِفريقيّة في العهد الصّنهاجيّ ، وارتَحل إلى القيروان سنة 406هـ / 1015م وهو في سنّ الخامسَةَ عَشرَةَ، واتّصل ببلاط المُعِزّ بن باديس حيث التقى بأبي إسحاق إبراهيم الحصري و ابن شرف . رَثا القيروان عند زحف الأعراب عليها سنة 449 هـ/1057م، وخرج منها إلى المَهدِيّة ، ثمّ هاجر إلى صِقلِّيّة وتُوفِّي بمازرة .


من مؤلّفاته

العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده أنموذج الزّمان في شعراء القيروان الديوان قراضة الذّهب في نقد أشعار العرب التّعليق من كتاب العمدة في محاسن الشّعر


المزيد من المعطيات على الموسوعة التونسيّة
تقديم النّص

لهذا الكتاب شأنٌ غريب، فقد كان مشهورا ورائجا، ونقلتْ عنه مصادرُ كثيرة، لكنّه ضاع منذ القرن الثّامن الهجريّ، وتوقّف النّقل المباشرُ عنه، ثمّ بعثه إلى الوجود من جديد مُحقّقان تونسيَّان هما العروسيّ المطويّ و بشير البكّوش باعتماد المصادر التي نَقَلتْ تراجمُ الشّعراءِ عنه، وأهمّها الوافي بالوَفيات ل صلاح الدين الصّفديّ (ت. 1363) و« مسالك الأبْصار » لأبي فضل العُمَريّ الدِّمشقيّ (ت. 1394).

يقدّمُ هذا الكتاب الطّريفُ تراجم مائةٍ من الشّعراء الذين عاصروا ابن رشيق ، ونماذج من أشعارهم. وهم منسوبون إلى القيروان لأنّها كانت عاصمة إفريقيّة ، وبها بلاط المُعِزّ بن باديس (1016-1062) الذي استقطب الكثير من الشّعراء والأُدباء والعلماء. إلاّ أنّ شعراء ال أنموذج يتوزّعون على مدن وقرى كثيرة منها ما بقي إلى اليوم، ومنها ما اندثر، ومنها ما لم يَعُد جزْءا من خارطة البلاد التّونسيّة : تُونس و سُوسة وا سفاقس (كذا) و المَهدِيّة و قَفْصَة وقصْطِيلِية ( تُوزر حاليّا) و باجة الزّيت، وباجَة القمح، و نِفْزة ، و الأربس (مدينة خصبة كانت توجد قرب الكاف ) ورصفة ( الشّابّة حاليّا) و تَاهرْت ، و قرية بني فراس (قرب تونس )، وصدف (« على خمسة فراسخ من مدينة القيروان ») والهواريون وزويلة (رملة المهديّة) والسّعدِيّين (« جوار المهديّة »)، ونونش وزُبنّة (وهما " من كور " رصفة) و المَسِيلة و المنصُوريّة و المحمّديَّة و جرواة .... وتدلُّ أسماء الأماكن هذه على ازدهار التعليم باللُّغة العربيّة ونشاط الحركة الأدبيّة في الكثير من أرجاء البلاد.

وتكمُن طرافة الكتاب أيضا في منهج المؤلّف الذي يجمع بين ملامح شخصيّة الشاعر وسِمات شعره. وكان ابنُ رشيق يميل إلى التجديد الذي كان يُسمّيه « تَوليدًا » و« اختراعا ». يقول في ترجمة ابن حربون : « وقد تصفّحتُ جميعَ ما رأيتُ له من الشِّعر فلم أجدْهُ وَلَّدَ معنًى انفَرد به ولا زادَهُ زيادَةً توجبُهُ له ». إلاّ أنّه كان ينفُرُ من التّكلُّف والإغراق في الصّنعة.

وفي الكتاب طُرَفٌ كثيرة عن حياة الشّعراء وتنقُّلهم بين إفريقيّة و صقليّة و الأندلس و المشرق ، وعن مُجونهم وحُبّهم للَّهْو. وهو يعكس في بعض أخباره الصّراعَ المذهبيَّ، ومقتلَ الشّيعة في سنة 407 هـ/1016م. و لابن رشيق موقفٌ سلبيّ من الشّعراء المُتشيّعين، من ذلك قوله عن الشّاعر إسحاق بن إبراهيم : « كان رافضيًّا سَبَّابًا، عليه لَعنةُ اللهِ. وقَتَلَهُ سيّدُنا، أطالَ اللّه بقاءه، سنة عشرين وأربعمائة احتسابا... »

وبعد حوالي قرنين، وضع ابن الأبّار البلنسيّ (ت 658 هـ/1260 م) كتاب تحفة القادم لـ «يضاهي » أنموذج ابن رشيق ، مقتصرا على « مائة شاعر وشاعرة » من أهل الأندلس .
تعديل الجذاذة
شواهد
حول خدُّوج الرّصفِيّة

هذه امرأةٌ من أهلِ رصفة بِسَاحِلِ البَحْرِ... وهي شَاعِرةٌ حَاذقةٌ مَشهُورةٌ في شَبِيبتِهَا، وقد أسنَّت الآنَ وكفَّتْ عنْ كثيرٍ من ذلك... ومِنْ شِعرِهَا :

جَمعُوا بَينَنَا، فلمَّا اجتَمعْنَا فرّقُونَا بالزّورِ والبُهتَانِ
مَا أرَى فِعلَهُم اليومَ بنَا إلاّ مثل فعلِ الشّيطانِ بالإنسانِ
لَهفَ نَفسِي عليّ يا لَهفَ نفسِي منكَ إنْ بِنْتَ يا أبا مَروانَ

كانَ أبُو مَروان هَذا شَاعِرًا مِنْ أَهْلِ الأندلُسِ وكانَ يودّهَا، فظهَرَ له تَشبُّبٌ بِهاَ، فغارَ لذلك إِخوتُهَا، وفرّقُوا بينهُمَا. واشتَهَرَ أبُو مَروَان هذَا فقَتَلَهُ إِخْوتُهَا.

حول الورّاق التّميميّ

دَخلْتُ الجامعَ في بعضِ الجُمَعِ فوجدتُهُ في حلقةٍ يقرأُ الرّقَائِقَ والموَاعِظَ ويذكُرُ أخبارَ السّلفِ الصّالِحين ومَن بعدَهم مِن التَّابِعِينَ، وقد بَدَا خُشُوعُهُ، وترقْرَقَتْ دُمُوعُهُ. فمَا كانَ إلاَّ أنْ جِئتُهُ عشِيّةَ ذلك اليومِ إلى دَارِهِ، فوجدتُه وفي يدِهِ طُنبوُرٌ وعن يمينِهِ غُلامٌ مَلِيحٌ وقدّامهُ شرَابٌ. فقلتُ لهُ : مَا أبعدَ مَا بَينَ حَاليْكَ في مجلِسَيْكَ؟ فقال : ذاكَ بيتُ اللّهِ. وهذَا بيتِي أصْنَعُ في كُلِّ واحِدٍ مَا يَلِيقُ بِهِ وبِصَاحِبِهِ. فأمْسكْتُ عنهُ.

(ص. 255)

النّمذجانيّ : كانَ شاعرًا مشتَهِرًا بالمجَانةِ سِكِّيرًا لا يَكادُ يُرَى صاحِيًا البَتَّةَ، سلكَ طرِيقَ أبي الرّقعمَق فِي التّهتُّكِ والتّهكم والتّحَامُقِ، وصحِبَهُ بمِصْر مُدّةً طوِيلةً. ثمّ رَجَعَ فاستَحْسَنَ الإقَامةَ بجزِيرةِ صِقلّيّةَ لِما فِيهَا من الشّرابِ حتَّى تُوُفّي سنةَ ثمانيةَ عشرَةَ وأربعِمائة وقدْ أسنَّ وشَاخَ.

(ص. 292)
مخطوطات
صور ذات صلة
صورة متخيّلة لابن رشيق على ورقة نقديّة تونسيّة (20 مارس 2011)
Portrait imaginé d'Ibn Rašīq sur un billet de banque tunisien (20 mars 2011)
Imagined portrait of Ibn Rašīq on a Tunisian banknote (20 mars 2011)
صورة لابن رشيق على طابع بريدي تونسي، كما تخيّلها الرسّام علي فاخت
Portrait imaginé d'Ibn Rachiq Al Kairaouani sur un timbre tunisien
Imagined portrait of Ibn Rachiq Al Kairaouani on a Tunisian stamp
العمدة في محاسن الشعر و آدابه
Détail du manuscrit de la BNT A-MSS-3269
Detail of the manuscript of the National Library of Tunis A-MSS-3269
معطيات بيبليوغرافيّة
  • حسن حسني عبد الوهاب : بساط العقيق في حضارة القيروان وشاعرها ابن الرشيق ، تقديم محمد العروسي المطوي، مکتبة التونسية، تونس، 1330 [=1911].
  • Hady Roger Idris : La Berbérie orientale sous les Zīrīdes, Adrien-Maisonneuve, Paris, 1962.
  • al-Ḥasan ibn ʿAlī al-Qayrawānī Ibn Rašīq : Unmūḏaǧ al-zamān fī šuʿarāʾ al-Qayrawān, Dār al-ġarb al-islāmī, Bayrūt, 1991.
  • al-Šāḏilī Bū-Yaḥyá : La Vie littéraire en Ifrīqīya sous les Zirides, S.T.D., Tunis, 1972.
  • al-Ḥasan ibn ʿAlī al-Qayrawānī Ibn Rašīq : Unmūḏaǧ al-zamān fī šuʿarāʾ al-Qayrawān, Dār al-ġarb al-islāmī, Bayrūt, 1991. تحقيق
  • الحسن ابن علي القيرواني ابن رشيق : انموذج الزمان - في شعراء القيروان ، جمعه و حققه محمد العروسي المطوي و بشير البكوش، الدار التونسية للنشر، تونس، 1986. تحقيق
تحرير الجذاذة
(بتصرّف اللّجنة العلميّة)

متحف التراث المكتوب - 2022

Creative Commons logo

نرحّب بملاحظاتكم ومقترحاتكم على العنوان التّالي :