جمع الجواهر في المُلح والنّوادر

إبراهيم أبو إسحاق الحصري
 -  413 / 1022

إبراهيم الحُصْريّ القَيروانيّ ، مِن أقرباء عَلِي الحُصْريّ الشاعر المشهور (ت 488 هـ/ 1095 م). يُنسبَان إلى حُصْر وهي قَرية دارِسةٌ قرب القيروان . كان أديبا عالِما بأخبارِ الشّعر والشّعراء وكان مُدرِّسا للأدبِ بين القيرَوان و صبرة المنصوريّة .


من مؤلّفاته

زهر الآداب جمع الجواهر في المُلح والنّوادر المَصونُ في سرّ الهوى المكنون نُور الطَّرْف ونَوْر الظَّرف


المزيد من المعطيات على الموسوعة التونسيّة
تقديم النّص

يتميّز كتاب "جمع الجواهر" بتركيزه على الهزل، خلافا لكتاب "زهر الآداب"، ويظهر ذلك منذ ديباجته : "الحمد للّه الذي أضحك وأبكى، وأمات وأحيا، فعرّفنا بلذّة الفرح شدّة التّرح، وبحلاوة الحياة مرارة الوفاة". وقد ذكر الحصريّ دواعي تأليفه ومنهجه في الكتاب. فقد ألّف جمع الجواهر استجابة لطلب أحد رعاة الأدب في عهده أن يجمع له مُلحا وطرائف ونوادر « ترتاح إليها الأرواح وتطيب لها القلوب». وقد وضع لنفسه منهاجا يسير عليه في التحرير. فعلى المُلح والطرائف المراد جمعها أن تتّسم بالنّدرة والغرابة فلا تكونُ من المألوف، وأن تكون مُختصَرة متنوّعة فلا يكون طولها أو تشابهها داعيا إلى الملل، فضلا عن ابتعادها عمّا يعُدُّه منافيا للدِّين؛ وعقَدَ الحُصريّ للغرض تشبيها طريفا صار كتابه فيه « كالمائدة الجامعة لفنون الطعام » لأنّ « هِمم الناس مفترقةٌ وأغراضهم غير متّفقةٍ ».

لم يذكر الحصريّ مصادره التي جمع منها هذه الجواهر ولا مرجعه في الكتابة والتحرير، ولكنّ تتبُّعَها ينبئ أنّه انتخبها من مدوّنة أدبيّة واسعة تكاد تمسح كلّ التصانيف الأدبيّة قبله ولا تقف عند عصر أدبيّ دون آخر؛ فمن نصوصه ما يرجع إلى زمن غير بعيد عن زمنه مثل أبيات أبي الفتح البستي (ت 400 هـ) ومنها ما يعود إلى زمن قديم كقصائد الجاهليّين وتصانيف أوائل المُدوّنين. ويبقى أثر الجاحظ بيّنا في اختيارات مُلحه وانتقاله بها من هزل إلى جدّ أو المحافظة على عدم إعراب بعضها حتى لا تفقد حرارتها.

يبدو الحصريّ في كتبه عامّة، ومنها جمع الجواهر ، أقرب إلى صورة الرّاوية منه إلى صورة الكاتب، أو هو ينهض بدور الرّاوية الجديد الذي غادر إطار المُشافهة نحو الكتابة بما يقتضيه هذا الانتقال من حُسن اختيار المَرويّات وتنويعها وحسن تبويبها. ويغلِب على أسلوبه السّجعُ والازدواج شأنه في ذلك شأن أدباء العصر، ولكنّه لا يلحّ على استدرارهما في كلّ موضع. ويميل إلى المزاوجة بين النثر والشعر دون أن يجعل ذلك له شرطا. ويبدو الحصريّ بعمله هذا كأنّه يَبني ذاكرة المتأدّبين في بلده ويعلّمهم الأدب بالأدب نفسه.

شواهد

وقد جعلتُ ما عملتُ مدبّجا مدرّجا، لتلذَّ النفسُ بالانتقال من حال إلى حال، فقد جُبلت على محبّة التحوّل، وطُبعت على اختيار التنقّل.

" فأجبتك إلى ملتمسك بكتاب كلّلت نظامه، وثقّلت أعلامه، بذهب يروق سبك إبريزه، ويرقّ حوك تطريزه، من نوادر المتقدّمين والمتأخّرين، وجواهر العقلاء والمجانين، وغرائب السّقّاط والفضلاء، وعجائب الأجواد والبخلاء، وطرف الجهّال والعلماء، وتحف المغفّلين والفهماء، ونتف الفلاسفة والحكماء، وبدائع السّؤّال والقصاص، وروائع العوامّ والخواصّ، وفواكه الأشراف والسّفلة، ومنازه الطّفيليّين والأكلة، وأخبار المخانيث والخصيان، وآثار النّساء والصّبيان. "

" كما حكى الجاحظ عن الشّرقيّ بن القطاميّ أنّ ابن أبي عتيق لقي عائشة رضي اللّه عنها على بغلة. فقال : إلى أين يا أمّاه؟ فقالت له : أصح بين حيّين تقاتلا. فقال : عزمت عليك إلاّ ما رجعت، فما غسلنا أيدينا من يوم الجمل حتى نرجع إلى يوم البغلة.
وهذه حكاية أوردها الشّرقيّ لغلّه ودغله على وجه النّادرة، لتحفظ ويضحك منها، ويتعلّق بها كن ضع\ثف عمله/ وقلّ عزمه. فيكون ذلك أنجع وأنفع لما أر اد من التّعرض لعرض أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها.
ومثل هذا كثير ممّا لو ذكرته لدخلت فيما أنكرته."

صور ذات صلة
معطيات بيبليوغرافيّة

نشرات الكتاب :
نُشر الكتاب نشرة أولى بمصر، بعناية محمد أمين الخانجي (1933). وعدّه ناشرُهُ ذيلا لكتاب الحُصريّ الآخر "زهر الآداب وثمر الألباب" بحجّة أنّه اشتمل على ما غاب عن الأوّل من الطرائف والنوادر، رغم أنّ المؤلّف ذكر العنوان في المقدّمة؛ ثمّ نشره علي محمد البجاوي من جديد (1953) بتحقيق أفضل، مختوما بفهارس مفيدة.
-ابن رشيق،أنموذج الزمان في شعراء القيروان، تحقيق محمد العروسي المطوي وبشير البكوش (تونس: الدار التونسيّة للنشر، 1986).
- الشنتريني، ابن بسّام، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق إحسان عبّاس (بيروت: دار الثقافة، 1997).
- بويحيى،الشاذلي، الحياة الأدبيّة بإفريقيّة في عهد بني زيري، تعريب محمّد العربي عبد الرزّاق(تونس: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون الفنون،بيت الحكمة، 1999).
- خلدون، بشير، الحركة النقدية على أيّام ابن رشيق المسيلي (الجزائر: منشورات وزارة الثقافة، 2007).
- بوده، العيد، منهجية التأليف عند أبي إسحاق إبراهيم الحصري القيرواني (الجزائر: أطروحة دكتوراه بجامعة قاصدي مرباح، ورقلة، 2019)

تحرير الجذاذة
محمد المهدي المقدود (بتصرّف اللّجنة العلميّة)

متحف التراث المكتوب - 2022

Creative Commons logo

نرحّب بملاحظاتكم ومقترحاتكم على العنوان التّالي :