وُلد الشّيخ سالم بن يعقوب، شيخ إباضيّة جربة ومؤرّخ الجزيرة، وآخر عُضو من أعضاء حلقة العزّابة، بقرية غيزن السّاحليّة في بداية القرن العشرين يوم 21 ذو الحجّة 1320 هـ/ 20 مارس سنة 1903، وتوفّي بها يوم السّبت 11 رجب 1411 هـ/ 26 جانفي 1991. تربّى في أسرة متواضعة صحبة إخوة ثلاثة له كانوا يتعاطون التّجارة. كان في صغره نافرا من التعلّم، يهرب من الكتّاب، ويرُوغ من المؤدّب ويلوذ بالغابة سُلوانا عن حلقة الدَّرس التي كان خاله قاسم بن مهنّي بن يعقوب مدرِّسا ينشّطها بجامع تلاكين بقريته. فلم يتمكّن الطّفل سالم من حفظ الحروف الأبجديّة بتلك المدرسة، فانتقل إلى جامع أرواي، ليتعلَّم في حلقة يوسف بن عمارة الحروف. ولكنّه اضطرّ للانقطاع مجدّدا عن الدّراسة، لينصرف إلى الفلاحة. والغريب أنّه بلغ العشرين من عمره دون أن يحسن القراءة أو يتعلّم الكتابة. هكذا اشتغل بالفلاحة حتّى سنّ العشرين، ثمّ التحق بمدرسة جامع الباسي بوالغ يتعلّم أصول الدّين على يد ثلّة من شيوخ العلم، من أهمّهم الشّيخ عمر بن مرزوق، وذلك سنة 1344 هـ/ 1926م. غير أنّه هجر تلك المدرسة غير آسف بعد تعكُّر صفو العمل فيها، وقلَّة نشاط القائمين عليها، ليسافر بعدها صحبة أخيه حميدة إلى مدينة بنزرت، حيث اشتغل بالتِّجارة. ولمّا لم يُفلح في التّجارة، التحق بجامع الزّيتونة، وفيه حضر ما طاب له من الدُّروس متنقِّلا من حلقة علم إلى أخرى، دون أن يسجّل اسمه في دفتر الجامع. وكان في الأثناء يتلقَّى دُروسا خاصَّة على يد الشّيخ محمّد بن صالح الثّمينيّ الميزابيّ شيخ الإباضيّة بتونس. وقد بقي الشّيخ سالم بتونس مدّة خمس سنوات من سنة 1347 هـ/ 1929م إلى سنة 1352 هـ/ 1933م. وفي شهر رجب 1352 هـ/ أكتوبر من سنة 1933م، حزم أمتعته وسافر إلى مصر ليواصل تعلّمه. وسكن كغيره من الطّلبة في وكالة البحّار الكائنة بالحيّ الطولونيّ بالقاهرة. وقد وجد فيها آنذاك جماعة كثيرة من جربة ومن جبل نفوسة. وفي مصر بقي يتردَّد على حلقات جامع الأزهر، ويتلقَّى دروسا في القسم العامّ منه، كانت تهتمُّ بالفقه الإسلاميّ والتّاريخ الإباضيّ. كما كان يحضر ليلاً محاضرات جمعيّة الإخوان وجمعيّة العروة الوثقى، فيُوصِل اللّيل بالنّهار في الدَّرس، مُكثِرا السَّماع، متردِّدا على تلك الحلقات التي تتجاوز منتصف اللّيل، فيعود هذا الطّالب المجدُّ مفعما بالعلم متشبِّعا به كلَّ التشبُّع. ومن أبرز أساتذته بالأزهر الشّيخ أبو إسحق إبراهيم بن الحاج اطفيش الإباضيّ الميزابيّ. وهناك عكف على نسخ المخطوطات والوثائق الإباضيّة الموجودة بمكتبة وكالة الجاموس بحيّ طولون بالقاهرة، وساعده على هذه المهمّة مدير قسم المخطوطات بها أستاذه الشّيخ إبراهيم اطفيش. وحين عاد الشّيخ سالم إلى جربة في أوائل سنة 1359 هـ/ 1939م، لم يركنْ للرّاحة والانتفاع بثمار علمه وتحصيله في القاهرة، بل واصل ملازمة المخطوطات يجمعها وينسخها ويدرِّسها دون كلل أو ملل. وكان لهذا أثره البالغ في تكوين مكتبة ثريّة بالمخطوطات والكتب الإسلاميّة والتّاريخيّة، علاوة على ما كان نسخه من نصوص إباضيّة كثيرة. اشتغل بالتّدريس في مساجد بجربة. وترك مؤلّفات طبع بعضها ومازال البعض الآخر مخطوطا. من مؤلّفاته: -كتاب تاريخ جزيرة جربة، طبعته 1، تونس، دار الجويني للنّشر، 1986. - مقال بالاشتراك مع الشّيخ قاسم قوجة بعنوان: «ردّ على مقال»، الحياة الثّقافيّة (تونس)، العدد 38، سنة 1985. - تاريخ جزيرة جربة ومدارسها العلميّة، إعداد: فرحات بن علي الجعبيريّ، طبعة 1، تونس، دار سراس للنّشر، 2006. - تحقيق كتاب في بدء الإسلام وشرائع الدّين، لابن سلاّم الإباضيّ صحبة المستشرق الألمانيّ فرنز شفارتس. وله أيضا كرّاسات مخطوطة عن الحملات الإسبانيّة على جزيرة جربة، تحتاج إلى دراسة علميّة، وتتطلّب تحقيقا دقيقا. ورسالة في حكم صلاة الجمعة وبع ضمن الأشعار المتفرّقة.