مجموعة قصصيّة

المهاجر صدر هذا الكتاب عن المركز الوطني للاتصال الثقافي بتونس سنة 2008، أي بعد مرور ثلاث وأربعين سنة على وفاة صاحبه. وقد عمل على جمع نصوصه واختيار عنوانه والتقديم له محمد الهادي بن صالح. وهو يضم سبع أقاصيص صدرت بين سنتي 1930 و1957 في صحف "العالم" و"العالم الأدبي" و"تونس" و"الندوة". تتنزل أقاصيص هذا الكتاب في طور مبكر من أطوار القصة القصيرة التونسية. وقد كان صاحبه من خلال اشتغاله بالصحافة متصلا بعدد كبير من الأدباء التونسيين، مؤمنا بضرورة أن يكون للكتابة القصصية موقع ضمن الكتابة الإبداعية. ولعل انتماءه إلى جماعة تحت السور قد أذكى فيه الرغبة في خوض مجال الأقصوصة. تتناول النصوص السبعة المكوّنة لهذه المجموعة قضايا اجتماعية من قبيل تقاليد الزواج، كالزواج دون معرفة بين الزوجين (حبيبة)، وتزويج البنت الصبية من شيخ موسر (عجز أديب)، والحيلولة بين الزوجين قبل الاحتفال بزواجهما (عزاء عروس). كما نجد أصداء من الصراع بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية بإبراز محاسن الإسلام (حديث شاب مسلم مع باريسيات حسان)، وبتصوير الآثار المدمرة لتقليد الأجانب في الأسرة التونسية (من ضحايا الانقلاب). كما توفر لنا هذه الأقاصيص خروجا في المكان وسفرا في الزمان: فقصة "المهاجر" التي حملت المجموعة عنوانها تتحدث عن قرصان تونسي جنحت سفينته على سواحل إفريقيا الغربية فأقام هنالك وتزوج وحين أتيح له أن يعود إلى وطنه امتنع وآثر البقاء مع زوجته الإفريقية وابنته. وأما قصة "فاطمة" فإنها تعود إلى القرن الخامس لتحدثنا عن غزو بني هلال لإفريقية، محاولة أن تقدّم صورة إيجابية عن هذا الحدث. وقد اتسمت هذه النصوص بما يطبع البدايات عامة من مباشرة وتفكك، وإن كانت تتميز بانفتاح مبكر نسبيا على لغة العصر وابتعاد عن الزركشة والإغراب. ولعل لاشتغال السنوسي في ميدان الصحافة أثرا في ذلك. كما أنها تعكس وعيا حضاريا بالهوية العربية الإسلامية ورفض الانصهار في سلم القيم الغربية دون أن يكون ذلك مسوّغا لغمط الأوروبيين كل فضل. (محمّد القاضي)