المنتخب المدرسيّ في الأدب التّونسيّ

أصدر حسن حسني عبد الوهّاب كتاب « المنتخبات التونسيّة للناشئة المدرسيّة » سنة 1336 هـ (1917 م) عن المطبعة التونسيّة - سوق البلاط. وعرّفه في العنوان الفرعيّ على الغلاف بما يلي : « مجموعة أدبيّة منتخبة من نظم ونثر البلغاء التونسيّين مرتّبة حسب أدوار الأدب مع مميّزات كلّ عصر ». وقد اتبّع فيه صاحبه خطّة تقوم على إدراج المنتخبات الأدبيّة والتراجم المختصرة لأصحابها من الأعلام في فترة زمنيّة محدّدة ثم التمهيد للقطعة المنتخبة بذكر غرضها وتذييل كلّ قطعة نثريّة أو شعريّة منها بشرح. فيترابط بذلك المكوّن التأريخيّ بالمكوّن البيداغوجيّ على نحو محكم كما هو الحال في الكتب المدرسيّة عامّة. والكتاب جزء من مشروع مدرسيّ لبناء الذاكرة الثقافيّة التونسيّة بدأه سنة 1913 تاريخيّا بكتاب « خلاصة تاريخ تونس : مختصر مدرسيّ يشمل ذكر حوادث القطر التونسيّ من أقدم العصور إلى الزمان الحاضر » ثمّ أدبيّا سنة 1917 بكتاب « المنتخبات التونسيّة ». وقد ذكر في تقديم هذا الكتاب الثاني أنّه خصّص « لأدباء [عصر النهضة في تونس] وشعرائه وكتّابه بحثّا مطوّلا مستقلاّ عن هذا أوردنا فيه مختارات وافرة من كلامهم نظما ونثرا وجليّنا فيه أسباب النهضة الأخيرة ومظاهرها ووسائل ترقيتها فنسأل الله الإعانة على إبرازه » ولعلّه يشير إلى كتاب « مجمل تاريخ الأدب التونسي » الذي صدر في ما بعد. وقد علّل ح. ح. عبد الوهاب اهتمامه بالأدب بأنّه شعر « بالفراغ الكبير الذي ألمّ بالأدب التونسي » بسبب « ضمور العلم (...) وتزلزل النظامات ». لكنّ « استقرار الأحوال » يفرض على « دعاة النهضة وأدلاّء التقدّم أن يسارعوا إلى سدّ ذلك الفراغ ». وإنّ العودة إلى روائع المنظوم والمنثور وتراجم الأدباء التونسيّين لممّا ييسّر « النهوض بالآداب » بالكشف عن « مواهب الشعوب » و« مرتبتها في الحضارة والرقيّ العقليّ والتمدين ». إنّ هذه المنتخبات رغم طابعها المدرسيّ الظاهر ترمي إلى غاية أبعد من مجرّد التوثيق. فقد نشأ وعي جديد بالذات الوطنيّة والثقافيّة سمّاه « تمحّض الجنسيّة التونسيّة ».