وثيقة رقّادة : عقد هبة عبراني

مجهول عقد بالعبريّة
ق. 10 م  - 
تقديم النّص

الوثيقة المعنيّة بالحديث هنا معروضة للعموم في متحف رقّادة بالقيروان. والجذاذة المخصّصة لها تفيد الزائر بأن هذه المخطوطة العبرية تمثّل عقد هبة، وبأن تاريخها يعود إلى القرن العاشر ميلاديا. ولويس بوانسو هو من عثر عليها، في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، بين قطع عديدة من أغلفة مجلدات اختلطت بصفحات من القرآن الكريم. وقد أدرجها ضمن جرده لأشياء قيروانيّة، المنشور في تونس عام 1948.

من حيث المضمون، ينصّ عقد الهبة، المحرّر بالمهدية في العهد الحفصيّ، على نقل ملكيّة خادمة مسيحيّة، كانت حتى ذلك الحين في خدمة الواهب. وينصّ كذلك بوضوح على أنّه لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة بيعها أو المقايضة بها أو رهنها. ويشير العقد بوضوح إلى أنّه حُرّر بعد القرن العاشر. وعلاوة على ذلك، هو يؤكّد، بصورة جليّة، تواصل وجود اليهود في المهدية زمن الحفصيين، على الرغم ممّا شهده تاريخ المدينة من اضطراب بشكل خاص. ولْنذكّر في هذا الصدد بهجمات المنشقين الخوارج بين ديسمبر 944م وسبتمبر 945م، وحملة بيزا وجنوة في 6 أوت 1087م، واستيلاء النورمان على المدينة وما رافقه من نزوح جماعي عام 1148م، أو كذلك الهجوم الفرنجي الجنويّ في سبتمبر 1390م. وقد أسفرت الاعتداءات التي تعرضت لها المهدية، وتلك التي لحقت أيضا ضاحيتها التجارية والسكنيّة "زويلة"، في كل مرة، عن أضرار بشرية ومادية جسيمة. وفي ذاك الزمان، وبناء على ما كان شائعا، كانت شهرة المهدية تختصر في أنّها مدينة خطرة، لا يطيب فيها العيش، وأنّها وكر للقراصنة. وكان لهذا الأمر أثر سيّئ على الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيها! وبين 1141-1142م، كان يهود ونصارى المدينة عرضة لقسوة الموحدّين واضطهادهم، الذي امتدّ من طنجة إلى المهدية، كما يقول أبراهام بن داود (1110-1180). وفي مرثية تعرّضت لهذه الأحداث، يفيد أبراهام بن عزرا (1089-1164) أنه    "لم يعد يوجد ولو يهودي واحد في بجاية أو في المهديّة". وفي شهادة تعود إلى عام 1224، ذكر المؤرّخ المسلم عبد الواحد المراكشي، [صاحب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب"] أنّه، في ذلك الوقت، لا توجد "في جميع بلاد المسلمين بالمغرب بيعة ولا كنيسة". ودمّر الإسبان المدينة في عام 1554. غير أنّ اليهود، منذ عام 1530، وبعدما خرّب شارلكان مدينة تونس وأراق دم أهلها، هجروا مدينة المهدية ولجأوا إلى المكنين، التي تبعد عنها مسافة خمسة وعشرين كيلومترًا.

وفي خضمّ كل هذه الأحداث، كان كلٌّ من التجار المسيحيين، الذين تزايد عددهم في تونس انطلاقا من القرن الثاني عشر، ورجالِ الكنيسة، الذين كانوا حريصين على تخليص أخوتهم في الدين، (كان لتنظيم رهبانيّة الثالوث المقدس، التي أسسها القديس "جان دي ماثا" حضور فاعل في تونس ذاتها، وقد اتخذت لنفسها من هذه القضيّة غاية)، يسعون إلى استرجاع الأسرى المسيحيين بالشراء أو المقايضة أو بأي وسيلة أخرى. وهذا الأمر هو الذي يُعلّل ما ورد في العقد من منع صريح للتنازل عن الخادمة بأي صيغة من الصيغ. وانطلاقا من عام 1370، تكثّف نشاط القراصنة الحفصيين بشكل خاص، إذ تمّ تكليفهم بمهاجمة الفرنجة في البحر وبالإغارة على سواحلهم. وآنذاك تضاعف عدد العقود المتعلّقة بشراء العبيد. وتبعا لذلك أصبحت تبرم في شأن الأسير عقود البيع والشراء.

إن العقد المشار إليه في هذه الجذاذة يقدّم، في الآن نفسه، صورة عن تلك الظرفيّة التي شهدت تضاعف عدد الأسرى المسيحيين في مدن الساحل التونسي، وصورة عن الاهتمام الجديد الذي يحظى به العبيد في القانون التعاقديّ، حوالي النصف الثاني من القرن الرابع عشر ميلاديّا.

تعديل الجذاذة
شواهد
[ترجمة عربيّة من الترجمة الفرنسيّة للنّصّ العبري]

... في مدينة المهدية ... زمن الحفصيين : كونوا عليّ شهودًا، بأنّهم، منذ الآن، يأخذون منّي، ويحرّرون ويبصمون ... وأنّه برغبة منّي وعن طواعية ودون إكراه، وعن طيب خاطر... [وهبت] ... الخادمةَ المسيحيّة التي كانت في خدمتي، هدية لا رجعة فيها، ... حُرّر على رؤوس الأشهاد وبطريقة صريحة ونهائيّة...

مخطوطات
صور ذات صلة
صورة لمخطوطة وثيقة رقّادة : عقد هبة عبراني
Photographie du manuscrit du contrat de donation hébraïque dans une reliure du Coran Raqqada
Photograph of the manuscript of the Hebrew donation contract in Raqqada
معطيات بيبليوغرافيّة

Hirschberg, H. Z., A History of the Jews in North Africa, 2 vols., Leiden, 1974.
Louis de Mas Latrie, Relations et commerce de l’Afrique septentrionale ou Maghreb avec les nations chrétiennes au moyen âge, Elibron Classics, 2006.
Marçais, G. et L. Poinssot, Objets kairouanais : IXe-XIIIe siècles, Tunis, 1948.
Toukabri, H., « Un contrat de donation hébraïque dans une reliure du Coran », dans al-Qantara, XXX-1, enero-junio 2009, pp. 257-269.

تحرير الجذاذة
(بتصرّف اللّجنة العلميّة)

متحف التراث المكتوب - 2022

Creative Commons logo

نرحّب بملاحظاتكم ومقترحاتكم على العنوان التّالي :