جولة بين حانات البحر المتوسّط

هي مجموعة خواطر وتعليقات كتبها أثناء جولة عبر المتوسط على متن سفينة في صائفة 1933، ونشرتها مجلة "العالم الأدبي" بداية من سبتمبر 1935 إلى فيفري 1936. ثم أعيد نشرها في مجلة "المباحث" فيما بين جويلية وسبتمبر 1944. ولم يعثر إلى الآن على النسخة الكاملة أو ربّما يكون الكاتب نفسه لم يُتمم كتابتها. منذ الصفحة الأولى يكشف الدّوعاجي عن قدرته على الاستهزاء من نفسه، وهي إحدى علامات امتلاك الظّرف والسخرية والتهكّم: "لم أتعوّد تنظيم أعمالي ولست منظما في أفكاري نفسها. فأنا فوضوي منذ خلقت (...) وما زلت إلى اليوم أطالع القصيدة مبتدئا من خاتمتها (...) وهذا بلا شكّ نقص فيّ أعترف به ولكنّي لا أودّ تغييره بحال" . تبدأ الرحلة بكورسيكا مرورا بنيس، وأنقكور، ونابلي، وبيرة، ثم أثينا، والدّردنيل، وإسطنبول لتقف عند إزمير. يكشف الدّوعاجي في هذه الخواطر على قدرته المذهلة على رسم الشخصيات ووصف المواقف الهزلية بريشة الفنّان الذي يضع بينه وبين الدّنيا وأشيائها مسافة تحميه من الوجع ومن أشياء أخرى لم يبح بها. يقول عن اختيار العنوان أنّه "تقرير لحقيقة ما قمنا به في جولتنا على مواني هذا البحر [والتي] لم نر منها إلاّ حاناتها ومقاهيها ولا أحسب الحديث عنها يسئم أحدا أبدا... حتى الذين يختمون لذّتهم بـ"أعوذ باللّه من الشيطان الرّجيم". يقول عن مدينة نيس: "المرور من رصيف إلى آخر عملية يُحسب لها ألف حساب والنّظر من وجه غادة إلى أخرى عمليه يحسب لها ألف دقّة قلب". وفي بيره تعرّف على إسرائيلي من تونس حكى له عن عشقه لفتاة "هام بها وأعلن لها حبّه الطّاهر في قيلولة من أيام جويلية (...) فما كان منها إلاّ أن قدّمت له فاهًـا كالأذن المخصّصة لهذا النّوع من الكلام وتكلّما (...) بهذه اللّغة التي تُسمع بالشّفاه...". ذلك هو علي الدّوعاجي الذي كانت له بصمته على مدرسة الأدب الساخر التونسي التي جمعت كوكبة من الأقلام الفذّة من أمثال محمود بيرم التونسي، وحسين الجزيري، والبشير خريف وغيرهم.